هل تمحى الذنوب من صحف العبد التائب ام لا؟
هل تمحى وتنسى وتغفر وتبدل ذنوب صاحب الكبائر اوالعاصي اوالمسرف اوالمسيء اوالمخطئ - إن تاب - ام لا؟اولا:
الفرق بين الذنوب ، والسيئات ، والمغفرة ، والتكفير :
فـ
الذنوب : المراد بها
الكبائر .
والمراد
بالسيئات :
الصغائر ،
وهي ما تعمل فيه الكفارة ، من الخطأ وما جرى مجراه ، ولهذا جعل لها التكفير ، ومنه أخذت الكفارة ، ولهذا لم يكن لها سلطان ولا عمل في الكبائر في أصح القولين ، فلا تعمل في قتل العمد ، ولا في اليمين الغموس في ظاهر مذهب
أحمد و
أبي حنيفة .
والدليل على أن
السيئات هي
الصغائر والتكفير لها قوله تعالى "
إإِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا "
النساء:31وفي صحيح مسلم : 233 ، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :
"
الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ"
ولفظ
المغفرة أكمل من لفظ
التكفير ولهذا كان من الكبائر ،
والتكفير مع الصغائر ، فإن لفظ
المغفرة يتضمن
الوقاية والحفظ ، ولفظ
التكفير يتضمن
الستر والإزالة ، وعند الإفراد يدخل كل منهما في الآخر كما تقدم ، فقوله تعالى كفر عنهم سيئاتهم يتناول صغائرها وكبائرها ، ومحوها ووقاية شرها ، بل التكفير المفرد يتناول أسوأ الأعمال ، كما قال تعالى"
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ".
الزمر:35وإذا فهم هذا فهم السر في الوعد على المصائب والهموم والغموم والنصب والوصب بالتكفير دون المغفرة ، كقوله في الحديث الصحيح ، كما عند البخاري:5641، من حديث ابي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله"
ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ"
فإن المصائب لا تستقل بمغفرة الذنوب ، ولا تغفر الذنوب جميعها إلا بالتوبة ، أو بحسنات تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب ، فهي كالبحر لا يتغير بالجيف ، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث .
فلأهل الذنوب ثلاثة أنهار عظام يتطهرون بها في الدنيا ، فإن لم تف بطهرهم طهروا في نهر الجحيم يوم القيامة :
نهر التوبة النصوح ، ونهر الحسنات المستغرقة للأوزار المحيطة بها ، ونهر المصائب العظيمة المكفرة ، فإذا أراد الله بعبده خيرا أدخله أحد هذه الأنهار الثلاثة ، فورد القيامة طيبا طاهرا ، فلم يحتج إلى التطهير الرابع .
ما الفرق بين الذنوب والكبائر و
السيئات و
الصغائر؟
فالمراد بـ
الذنوب في القرآن
الكبائر ،
والمراد بـ
السيئات الصغائر .
وعند التدبر لآيات القرآن الكريم نجد : أن لفظ (
المغفرة ) يرد مع
الذنوب ،
أما لفظ (
التكفير ) فيرد مع
السيئات ،
قال الله تعالى : "
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا "
آل عمران :193وذلك لأن لفظ
المغفرة يتضمن
الوقاية والحفظ ،
ولفظ
التكفير يتضمن
الستر والإزالة .
والدليل على أن
السيئات هي
الصغائر ، والتكفير لها : قوله تعالى :
"
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا "
النساء: 31 وعلى المسلم اللبيب المتدبر الأيب المنيب أن يعلم أن كل ما يفعله ويكسبه في حياته ، وبعد مماته ، من خير - صدقة جارية - أو شر - سنة سيئة - ، فإنه سيجده مسطورا ، مثبتا ، في صحيفته يوم القيامة ؛ قال تعالى:"
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه" ُ
{الزلزلة7 : 8}. فمن أذنب ثم تاب، فإنه يجد في كتابه ذنبه الذي أذنبه، وتوبته منه التي محت عنه ذلك الذنب.
قال العلامة
السفاريني- رحمه الله- في شرحه على معتقده:"
والصحيح كتبهم الصغائر المغفورة، وإن غفرت باجتناب الكبائر".
قال الحافظ
ابن رجب - رحمه الله -: "
لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة، ولا غيرها، بل لا بد أن يوقف عليها صاحبها ويقرأها يوم القيامة" . واستدل بقوله - تعالى -: "
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ".
[الكهف: 49].وبقوله - تعالى -: "
فمَن يعمَل مثقَال ذرة خيرًا يره ومَن يعمَل مثقال ذرّة شرًا يرَه".
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا القول هو الصحيح عند المحققين.
وقد روي هذا القول عن
الحسن البصري، و
بلال بن سعد الدمشقي، قال
الحسن في العبد يذنب ثم يتوب ويستغفر: "
يغفر له ، ولكن لا يمحاه من كتابه دون أن يقفه عليه، ثم يسأله عنه، ثم بكى الحسن بكاء شديدا، وقال:" لو لم نبك إلا للحياء من ذلك المقام لكان ينبغي لنا أن نبكي".
وقال
بلال بن سعد:"
إن الله يغفر الذنوب ولكن لا يمحاها من الصحيفة، حتى يوقفه عليها يوم القيامة، وإن تاب". انتهى.
قال الحق العدل الغفار: "
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ".
(النساء: 116). ومما لا شك فيه أن الذنوب والمعاصي توجب سخط الله وعقابه، ولكن دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:
ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى - بتصرف لاثراء الموضوح وتحقيقه وبيانه - السبب الأول:
التوبة:
وهذا متفق عليه بين عامة علماء المسلمين.
قال تعالى: '
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ'
(الزمر: 53-54) وقال الحكيم تعالى: '
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ'
(التوبة: 104).وقال الغفور سبحانه: '
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ'
(الشورى: 25). وشروط التوبة النصوح:
إذا أذنب العبد ثم تاب واجتمعت في التوبة شروطها من
الندم على فعل هذه المعصيةو
عزمه على عدم الرجوع إليها و
إقلاعه عنها فوراًصحت توبته ، وإن تخلف شرط من ذلك لم تصح توبته، فإن عاد إلى الذنب مرة أخرى ثم تاب توبة صحيحة بشروطها صحت توبته وهكذا .
قال تعالى: '
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ'
[الشورى: 25]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"
إن الله عزوجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.صحيح الترغيب: 3143. وفي
صحيح مسلم:2758 . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ : "
أذنَب عبدٌ ذنبًا . فقال : اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنَب عبدي ذنبًا ، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ، ويأخذ بالذَّنبِ . ثم عاد فأذنب . فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذُ بالذنبِ . ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنبَ عبدي ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذ بالذنبِ . اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك " . قال عبدُ الأعلى : لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت " .
أي:
ما دمت تتوب توبة نصوحاً، مستوفية الشروط ، سالمة من موانع القبول.
وعلى العبد أن يعلم أن السبيل إلى قطع رجوعه إلى المعاصي التي تاب منها ألا يقع في استدراج الشيطان قال تعالى: '
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ'
[النور: 21].وأن يبتعد عن أماكن المعصية وأصدقاء السوء، وأن يشغل نفسه بالطاعات والأذكار والأعمال النافعة، دينية أو دنيوية، وأن يصاحب أهل الفضل والخير.
السبب الثاني:
الاستغفار:
كما
في صحيح مسلم :2749، من حديث
ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"
والذي نفسي بيدِه ! لو لم تذنبوا لذهب اللهُ بكم ، ولجاء بقومٍ يذنبون ، فيستغفرون اللهَ ، فيغفرُ لهم".
السبب الثالث:
الأعمال الصالحة والحسنات الماحية:
كما قال تعالى: '
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ'
(هود: 114).وعن
ابي هريرة كما في صحيح مسلم:233، قال صلى الله عليه وسلم:
'
الصَّلواتُ الخمسُ والجمُعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ ما بينَهنَّ إذا اجتنَبَ الْكبائرَ'.
وقال عليه الصلاة والسلام
كما عند البخاري:2014 من حديث
ابي هريرة : '
مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ'.
وقال عليه الصلاة والسلام
كما عند مسلم:1350 من حديث
ابي هريرة :'
من أتى هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسقْ ، رجع كما ولدتْه أمُّه '.
وفي روايةٍ :"
من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
الراوي : عوف بن مالك الأشجعي | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة
الصفحة أو الرقم: 819 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلموصح عنه صلوات الله عليه وسلامه قوله:'
اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ ، وأَتبِعِ السَّيِّئَة َالحسنةَ تمحُها ، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسنٍ'.
الراوي : أبو ذر الغفاري و معاذ بن جبل و أنس بن مالك | المحدث : الألباني |المصدر : صحيح الجامع: 97 | خلاصة حكم المحدث : حسنالسبب الرابع: الدافع لعقاب الله ،
دعاء المؤمنين للمؤمن:
مثل
صلاتهم على جنازته ، فعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:'
ما مِن ميِّتٍ تُصلِّي عليه أمَّةٌ من المسلمين يبلغون مائةً . كلُّهم يشفعون له . إلَّا شُفِّعوا فيه".
صحيح مسلم: 947وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:'
....ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ فيقوم على جنازتِه أربعون رجلًا ، لا يشركون بالله شيئًا ، إلا شفَّعهم اللهُ فيه " .
صحيح مسلم: 948السبب الخامس:
ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة واشباهها:
فإن هذا مما ينتفع به المسلم المتوفى كما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة واتفق عليه أئمة علماء المسلمين، وكذلك
العتق والحج، بل قد ثبت عنه في الصحيحين
( البخاري: 1952، ومسلم:1147) ،من حديث امنا
عائشة رضي الله عنها عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال:'
من مات وعليه صيامٌ, صام عنه وليُّه'.
السبب السادس:
شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والملائكه والاصحاب غيرهم في أهل الذنوب يوم القيامة:
كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة، كقوله صلى الله عليه وسلم:'
... أتاني آتٍ من ربِّي فخيَّرَني بينَ أن يَدخلَ نِصفُ أمَّتيَ الجنَّةَ وبينَ الشَّفاعةِ فاخترتُ الشَّفاعةَ...'
رواه : عوف بن مالك الأشجعي | المحدث : الألباني في تخريج كتاب السنة : 819 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلمالسبب السابع:
المصائب:
وهي كل ما يؤلم ويحزن المسلم من هم أوحزن أو أذى في مال او ولد أو عرض أو جسد أو غير ذلك، لكن ليس هذا من فعل العبد، وهذه المصائب يكفر الله بها في الدنيا، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: '
ما يصيبُ المؤمنَ من وصبٍ ، ولا نصبٍ ، ولا سقمٍ ، ولا حَزنٍ ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه ، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه '.
الراوي : أبو سعيد الخدري و أبو هريرة |صحيح مسلم: 2573 ،صحيح البخاري: 5641ولما نزل قوله تعالى: '
مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ'.
(النساء: 123). قال
أبو بكر الصديق:
يا رسول الله: قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءا؟! فقال صلى الله عليه وسلم: '
يا أبا بكر: ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك ما تجزون به'.
"
يا رسولَ اللهِ كيف الصَّلاحُ بعدَ هذه الآيةِ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] وكلُّ شيءٍ عمِلْنا جُزينا به ؟ فقال: ( غفَر اللهُ لك يا أبا بكرٍ ألسْتَ تمرَضُ ألسْتَ تحزَنُ ؟ ألسْتَ تُصيبُك اللَّأْواءُ ؟ ) قال: بلى قال: ( هو ما تُجزَوْنَ به )".
الراوي : أبو بكر الصديق | المحدث : [color=#cc9900]ابن حبان[/colorفي صحيحه: 2910 .حديث صحيحالسبب الثامن:
ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والهلع والسؤال والعقاب:
فإن هذا مما تكفر به الخطايا.فمن توفي من أهل التوحيد والإيمان، ولم يتب مما ارتكبه من الذنوب في حياته، فإنه تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وتجاوز فضلا منه تعالى وكرمًا، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه؛ كما قال تعالى:"
مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ".
{الأنعام:160}.
وقال تعالى:"
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ".
{آل عمران:25}. قال أهل التفسير:
لا يبخس المحسن جزاء إحسانه، ولا يعاقب مسئيا بغير جرمه.
فإن من عذب في قبره من أصحاب السيئات والمعاصي قد يطول عذابه ويقصر بحسب ذنوبه، ولا يلزم أن يستمر إلى قيام الساعة. فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن
النعيم لأهل القبور دائم لا ينقطع، وأما
العذاب: فإما أن يكون دائماً -أيضاً-
وهو عذاب الكفار وبعض العصاة، وإما أن يكون منقطعاً، وهو لبعض العصاة ممن خفت جرائمه.
وانقطاعه: إما بسبب كصدقة أو دعاء، أو بلا سبب، أي بمجرد عفو الله تعالى الكريم،
ففي شرح العقيدة الطحاوية:
(
وهل يدوم عذاب القبر أو ينقطع؟ جوابه أنه نوعان:
منه ما هو دائم، كما قال تعالى: "
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" [غافر:46] أي: النار التي ذكرها الله تبارك وتعالى في حق آل فرعون، وقد تقدم في ذكر الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالة الآية أن الله سبحانه وتعالى لم يستثن، وإنما قال: ((
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ))
[غافر:46]، ففي هذا دليل على استمرار عذاب القبر إلى أن تقوم الساعة، فينتقلون من هذا العذاب الأدنى إلى عذاب أكبر منه وأغلظ وأعظم، وهو العذاب الدائم في الدرك الأسفل من النار.
قال: (ويدل عليه أيضاً ما تقدم في حديث
سمرة الذي رواه
البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: (
فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة ) وفي حديث
ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الجريدتين: (
لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا ) فجعل التخفيف مقيداً برطوبتهما فقط
).
وكذلك في حديث البراء بن عازب في قصة الكافر... ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة.
ذكره ابن القيم في كتاب الروح: 1/269 .حديث صحيح .والنوع الثاني:
يستمر مدة ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة الذين خففت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه.
قال الشيخ
ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
(
أما إذا كان الإنسان كافراً -والعياذ بالله- فإنه لا طريق إلى وصول النعيم إليه أبداً، ويكون عذابه مستمراً، وأما إن كان عامياً وهو مؤمن، فإنه إذا عذب في قبره يعذب بقدر ذنوبه، وربما يكون عذاب ذنوبه أقل من البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة، وحينئذ يكون منقطعاً)
ا.هـ الشرح الممتع:3/253 السبب التاسع:
أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها:
كما ثبت في الصحيحين
(البخاري:806 ، و مسلم: 182) من حديث ابي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال:"
... وفي جهنم كلاليب ، مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان . قالوا : نعم ، قال : فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنه لا يعلم قدرعظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائكة : أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن أدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ..."
وثبت عند البخاري:6535 ، من حديث
ابي سعيد الخدري عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله :"
يخلُصُ المؤمنون من النَّارِ ، فيُحبَسون على قنطرةٍ بين الجنَّةِ والنَّارِ ، فيقتصُّ لبعضِهم من بعضٍ مظالمَ كانت بينهم في الدُّنيا ، حتَّى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخولِ الجنَّةِ ، فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه ، لأحدُهم أهدَى بمنزلِه في الجنَّةِ منه بمنزلِه كان في الدُّنيا"
السبب العاشر:
رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد: :
فالله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سبحانه وتعالى .
وما تقدم من مكفرات الذنوب متعلق بالذنوب المطلقة، ولكن هناك كفارات أخرى مقدرة، وهي الهدي والعتق والصدقة وصيام.
قال
ابن باز :
(
متى تاب العبد توبة صادقة نصوحاً من جميع سيئاته غفرها الله له، حتى ولو كانت شرك، لو تاب توبةً صحيحة صادقة نصوحاً بالندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود وأتبعها بالعمل الصالح فله أجر عظيم، والله يمحو سيئاته ويبدلها حسنات جل وعلا، قال تعالى :" وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى". وقال جل وعلا: " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما". مع التوبة يبدل الله سيئاتك حسنات، إذا تاب توبةً صادقة من الشرك، من الزنا، من شرب المسكر، من العقوق، من القتل، من غير هذا إذا تاب توبة صادقة ندم ندماً صادقاً وعزم أن لا يعود في المعاصي واستقام على طاعة الله، غفر الله سيئاته وأبدلها حسنات سبحانه وتعالى).
ولنعلم يقينا بانه قد خلق الله الخلق لطاعته وعبادته ، ونهاهم عن معصيته ومخالفته ، وأمرهم إذا وقع أحدهم في معصية أن يعجل بالتوبة إلى الله ، وألا يقنط من رحمة الله ، ووعدهم على التوبة الجزاء الأوفى. ومهما ارتكب العبد من إثم ، واقترف من ذنب ، ثم تاب إلى الله توبة صادقة ، وأقبل على طاعة الله : فإن الله يتوب عليه ، ويكفر عنه سيئاته ، ويرفع له درجاته ، ويبدل سيئاته حسنات ، ويصير حاله بعد التوبة أفضل منه قبل فعل الذنب ؛ فإن التوبة تمحو ما قبلها من الذنوب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .قال الله تعالى : '
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً '.
الفرقان: 68 – 70 . وعن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"
للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدِه ، حين يتوبُ إليه ، من أحدِكم كان على راحلتِه بأرضِ فلاةٍ . فانفلتت منه . وعليها طعامُه وشرابُه . فأيس منها . فأتى شجرةً . فاضطجع في ظلِّها . قد أيس من راحلتِه . فبينا هو كذلك إذا هو بها ، قائمةٌ عنده . فأخذ بخطامِها . ثم قال من شدةِ الفرحِ : اللهم ! أنت عبدي وأنا ربُّك . أخطأ من شدةِ الفرحِ ".
رواه البخاري (5950) ومسلم (2747). قال
ابن القيم رحمه الله :
"
هذا الفرح من الله بتوبة عبده - مع أنه لم يأْت نظيره في غيرها من الطاعات - دليل على عظم قدر التوبة وفضلها عند الله، وأن التعبد له بها من أشرف التعبدات، وهذا يدل على أن صاحبها يعود أكمل مما كان قبلها "
.اهـ من "طريق الهجرتين" (ص 244). وهؤلاء أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام رضوان الله عليهم اجمعين- وهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا ، كانوا على الكفر والشرك ، وكان من أكابرهم من يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المعاداة ، ومع ذلك ، لما منّ الله عليهم بالإيمان به والتوبة إليه وصحبة نبيه ، صاروا أفضل الخلق وأكرم الناس ، وصاروا أفضل ممن أتى بعدهم ممن لم يتلبس بالشرك .
ولا شك أن الشرك والكفر أعظم الذنوب والآثام ، وبالتوبة والإيمان والعمل الصالح ، يغفر الله الذنب ، ويكفر السيئات ، ويرفع الدرجات . قال
ابن تيمية رحمه الله :
"
الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ، فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ. فَمَنْ قُضِيَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: " إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا، وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا " ا
نتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 45). وقال أيضا :
"
التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ يَرْفَعُ بِهَا صَاحِبَهَا إلَى أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ: "
لَوْ لَمْ تَكُنْ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 293). وقال أيضا :
"
وَآدَمُ تَابَ وَأَنَابَ، وَقَالَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ: ' رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ' فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ وَأَنْزَلَهُ إلَى الْأَرْضِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ؛ فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَرَجَتَهُ، وَيَكُونُ دُخُولُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ هَذَا أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ، فَمَنْ أَذْنَبَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ فَاقْتَدَى بِأَبِيهِ آدَمَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ سَعِيدًا، وَإِذَا تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا بَدَّلَ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَكَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ، كَسَائِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/ 383). وروى مسلم :(190) عَنْ
أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: '
إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا'، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ .
قال
ابن تيمية :
"
إذَا رَأَى تَبْدِيلَ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ طَلَبَ رُؤْيَةَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ الَّتِي كَانَ مُشْفِقًا مِنْهَا أَنْ تَظْهَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَالَهُ هَذِهِ مَعَ هَذَا التَّبْدِيلِ أَعْظَمُ مِنْ حَالِهِ لَوْ لَمْ تَقَعْ السَّيِّئَاتُ وَلَا التَّبْدِيلُ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 293). وقال
ابن القيم رحمه الله :
"
سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الصَّحِيحُ أَنَّ مِنَ التَّائِبِينَ مَنْ لَا يَعُودُ إِلَى دَرَجَتِهِ - يعني قبل الذنب -، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَى أَعْلَى مِنْهَا، فَيَصِيرُ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ الذَّنْب"ِ .
قَالَ: "
وَهَذَا بِحَسَبِ حَالِ التَّائِبِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَجِدِّهِ وَعَزْمِهِ، وَحَذَرِهِ وَتَشْمِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ لَهُ قَبْلَ الذَّنْبِ عَادَ خَيْرًا مِمَّا كَانَ وَأَعْلَى دَرَجَةً، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ عَادَ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يَعُدْ إِلَى دَرَجَتِهِ، وَكَانَ مُنْحَطًّا عَنْهَا ".
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فَصْلُ النِّزَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ "
انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 302). وقال أيضا :
"
العبد بعد التوبة النصوح خير منه قبل الذنب "
انتهى من "شفاء العليل" (ص 118). وقال الشيخ
ابن باز رحمه الله :
"
ليس هناك ذنب أعظم من الشرك، والمشرك متى تاب تاب الله عليه، وغفر له، فعليك بالتوبة مما قد علمت أنك فعلته، وبعد التوبة ينتهي كل شيء "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 40). فمن ارتكب كبيرة ، ثم تاب منها توبة صادقة ، وندم على ما فعل ، وأقبل على الله ، وهجر معصية الله ، وصاحب الأخيار ، وترك صحبة الأشرار ، ثم دام حاله على ذلك حتى مات : غفر الله له برحمته وفضله ، ورفع درجته ، وبدل سيئاته حسنات ، وكان حاله بعد الذنب والتوبة أفضل وأكمل من حاله قبل ذلك ، وكان أفضل بكثير من كثير ممن لم يرتكب كبيرة ، إلا أنه لم يسارع في طاعة الله مسارعة هذا التائب ، ولا صار بقلبه ما صار بقلب هذا من أنواع العبودية من التوبة والندم وحب الطاعة وبغض المعصية والخوف من الله ورجاء عفوه ومغفرته .
وللمزيد يراجع كتاب "معرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة" للإمام الحافظ ابن حجر. وعلى هذا
فلا ييأس المسلم، فإن اليأس ليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: '
إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ'.
(يوسف: 87).وقال سبحانه: '
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ'.
(الحجر: 56).وأانظروا كتابا مختصرا وشاملا للدكتور
محمد نعيم ياسين اسمه: "
الإيمان أركانه وحقيقته ونواقضه" ففيه خير كثير.