حديث قدسي مكذوب

حديث قدسي مفترى، ذكره الشعراوي، رحمه الله، وغيره
(توثيق: أبي أويس الأيوبي)

ينبغي التثبت والتحقق من كل ما ينقل ويقال، خاصة إذا كان عن اللّه (آية او حديثا قدسيا)، أو عن نبينا ﷺ،[قولا أو فعلا او اقرارا]، حتى لا نقع في الكذب والفرية على الله تبارك وتعالى، وعلى رسولنا ﷺ...

في إحدى نهفات وشطحات وقصص الشعراوي، رحمه الله، قال محدثا عن الله تعالى بحديث قدسي، وهو:
قال الله عز وجل:
' يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان
ما دام سلطاني باقيا، وسلطاني لا ينفذ أبداً، يا بن آدم، لا تخش من ضيق الرزق وخزائني ملآنة، وخزائي لا تنفذ أبداً، يا ابن آدم لا تطلب غيري وأنا لك، فإن طلبتني وجدتني، وإن فتني فتك وفاتك الخير، يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب، وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب، فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً، وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ، فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا، يا ابن آدم، خلقت السموات السبع والأراضي السبع ولم أعيَ بخلقهن، أيُعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب؟!
يا ابن آدم! إنني لم أنس مَن عصاني؛ فكيف من أطاعني، وأنا رب رحيم، وعلى كل شيء قدير. يا ابن آدم! لا تسألني رزق الغد كما لم أطلبك بعمل الغد. يا ابن آدم! أنا لك محب؛ فبحقي عليك كن لي محبًّا).

(توثيق: أبي أويس الأيوبي)

ليس بحديث أصلا...ولم يرد بسندٍ متصل صحيح ولا ضعيف، أبدا مطلقا، في أي من كتب الحديث المعتمدة...
فلا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ، ولا تقوله على الله عز وجل وتعالى.

*(وإن كانت بعض عباراته أو معناها صحيحة، وحق، بلا شك، كـ:
(فسلطان الله باق، وخزائنه لا تنفد، ولا تصرف العبادة الا لله وحده، ولا يسأل ويطلب ويرجو العبد، الا الله، سبحانه، ولا يستعن الا به عز وجل، ورزق العباد عليه، لا ريب، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم، وما علمنا ومالم نعلم، وليس لأحد شيء من ملكه وحكمه لا في أرض ولا سماء
ولا في أي مكان، ولا ينبغي للعبد الخوف والخشية الا من جلاله، من بطشه وانتقامه وعذابه، عز وجل)
لكن (الحديث مفترى)
وبعدم ثبوته عن رسول الله ﷺ، فهو كذب وافتراء على اللّه تعالى، وعلى رسوله ﷺ).. لا يُذكر ولا ينقل ولا يُستدل به، إلا لبيان بطلانه وعدم صحته، وأنه كذب ومفترى... افهموا ترشدوا
(وثقه: أبو أويس الأيوبي)

وكل من نقله أو ذكره في كتابه إنما ينسبه لآثار بني إسرائيل أو التوراة، كما ذكر ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": (8/52)،
وابن القيم في: "الجواب الكافي": (ص/141)، وابن كثير في "تفسير القرآن العظيم":(7/426).
(علق عليه، ووثقه: أبو أويس الأيوبي)

وقال الأبشيهي المصري في "المستطرف في كل فن مستظرف "
، من كتب النوادر والأدب (1/153) :
" روي أن هذه الكلمات وجدها كعب الأحبار مكتوبة في التوراة فكتبها، وهي:
'قال الله عز وجل: ' يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا، وسلطاني لا ينفذ أبداً، يا بن آدم، لا تخش من ضيق الرزق وخزائني ملآنة، وخزائي لا تنفذ أبداً، يا ابن آدم لا تطلب غيري وأنا لك، فإن طلبتني وجدتني، وإن فتني فتك وفاتك الخير، يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب، وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب، فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً، وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا،
يا ابن آدم، خلقت السموات السبع والأراضي السبع ولم أعيَ بخلقهن، أيُعييني رغيف عيش أسوقه لك بلا تعب؟! يا ابن آدم! إنني لم أنس مَن عصاني؛ فكيف من أطاعني، وأنا رب رحيم، وعلى كل شيء قدير. يا ابن آدم! لا تسألني رزق الغد كما لم أطلبك بعمل الغد. يا ابن آدم! أنا لك محب؛ فبحقي عليك كن لي محبًّا)." اهـ .

(وثقه: أبو أويس الأيوبي)

قال ابن تيمية في:
'الرسائل العرشية':٣٥ :
" ما جاء عَنْ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِفِطْرَةِ الْخَلَائِقِ، وَمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنْ الْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، والقصود الصَّحِيحَة، لَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ، وَلَا الْقَصْدَ الصَّحِيحَ، وَلَا الْفِطْرَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ، وَلَا النَّقْلَ الصَّحِيحَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَعَارُضَهَا: مَنْ صَدَّقَ بِبَاطِلِ مِنْ النُّقُولِ، أَوْ فَهِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، أَوْ اعْتَقَدَ شَيْئًا ظَنَّهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَهُوَ مِنْ الجهليات، أَوْ مِنْ الْكُشُوفَاتِ وَهُوَ مِنْ الكسوفات إنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِمَنْقُولِ صَحِيحٍ وَإِلَّا عَارَضَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ، أَوْ الْكَشْفِ الصَّحِيح، مَا يَظُنُّهُ مَنْقُولًا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَيَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ، أَوْ مَا يَظُنُّهُ لَفْظًا دَالًّا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ " انتهى .

وقال ايضا في:
'مجموع الفتاوى" 11 / 490 ):
" ما خالف العقل الصريح فهو باطلٌ . وليس في الكتاب والسنَّةِ والإجماع باطل، ولكن فيه ألفاظ قد لا يفهمها بعضُ النَّاس، أو يفهمون منها معنى باطلاً، فالآفةُ منهم، لا من الكتاب والسُّنَّة " انتهى .
(علق عليه، ووثقه: أبو أويس الأيوبي)

وقال ابن القيم في: ' الروح': ٦٢:
" الرسل صلوات الله وسلامه عليهم
لم يخبروا بما تحيله العقول وتقطع باستحالته، بل أخبارهم قسمان :
أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر .
الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر وتفاصيل الثواب والعقاب ، ولا يكون خبرهم محالا في العقول أصلا ، وكل خبر يظن أن العقل يحيله، فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون الخبر كذبا عليهم ،
أو يكون ذلك العقل فاسدًا ،
وهو شبهة خيالية، يظن صاحبها أنها معقول صريح ".
(وثقه: أبو أويس الأيوبي)
* وللمزيد ينظر :
كتاب "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة:(3/ 829-830).

* وعلى ما نقلناه وبيناه ووثقناه، نقول كما قال الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي، في:
'تدريب الراوي': ١/٣٢٧ :
" مَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ :{ إِذَا رَأَيْتَ الْحَدِيثَ يُبَايِنُ الْمَعْقُولَ أَوْ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ أَوْ يُنَاقِضُ الْأُصُولَ : فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ} " اهـ
✓يعني: أن من أمارات الحديث الموضوع أنه يخالف صريح العقل، أو يخالف صحيح النقل، أو يخالف أصلا معمولاً به متفقا عليه. فمخالفته لصريح العقل: أن يأتي بما يرده العقل ويأباه، كحديث : ( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْفَرَسَ فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ، فَخَلَقَ نَفَسَهُ مِنْهَا ) .
قال السيوطي رحمه الله :
"هَذَا لَا يَضَعُهُ مُسْلِمٌ، بَلْ وَلَا عَاقِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ كَانَ زَائِغًا فِي دِينِهِ ".اهـ
"تدريب الراوي" (1/ 328).

تنبيه هام:
إذا اتى الحديث الصحيح بما لا سبيل للعقل إليه لنقصه وعجزه، كأن يأتي ببعض المعجزات النبوية، أو ببعض الأخبار الغيبية: فمثل ذلك يسمى:
" محارات العقول "
ولا يسمى " محالات العقول "، فهو لا يخالف العقل، ولكن يعجز الفهم واللب ويحيره، فإما أن يسلّم العبد به ويقبله ويقرّ بعجزه – وهذا حال المسلم المؤمن –، وإما أن يرفضه ويرده –، وذاك حال الجاهل المتنطع البوهة الضال، المكذب .
(علق عليه، ووثقه: أبو أويس الأيوبي)

قال السيوطي في  'تدريب الراوي':'ومعنى:' مناقضته للأصول ':
(أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة)'.

(توثيق: أبو أويس الأيوبي)
ينبغي التثبت والتحقق من كل ما ينقل ويقال، خاصة إذا كان عن الله
(آية او حديثا قدسيا)، وعن نبينا ﷺ،[قولا أو فعلا او اقرارا]، حتى لا نقع في الكذب والفرية على الله تبارك وتعالى، وعلى رسولنا ﷺ...

والحديث المزعوم:
'قال اللّه عز وجل:
' يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان
ما دام سلطاني باقيا...'،
*جاء ذكره في كتاب:
'الفتوحات المكية'، لابن عربي
( محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الشهير بـ محيي الدين بن عربي، أحد أشهر المتصوفين،  لقبه أتباعه وغيرهم " بالشيخ الأكبر"، وتُنسب إليه " الطريقة الأكبرية الصوفية". لد في مرسيه بالأندلس، عام ٥٥٨ هـ، قبل عامين من وفاة الشيخ عبدالقادر الجيلاني.
وتوفي في دمشق عام ٦٣٨ هـ، ودفن في سفح جبل قاسيون).

وكتاب:' المستطرف في كل فن مستظرف'، لشهاب الدين، محمد الابشيهي:
(بهاء الدين (أو شهاب الدين) أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلي، نسبة إلى قرية أبْشيه، ابشواي بالفيوم بمصر. أقام في المحلة، ورحل إلى القاهرة، واستمع لجلال الدين البلقيني.
توفي سنة:٨٥٠/٨٥٢ هـ. )

وابن عربي الأندلسي الصوفي والابشيهي المصري، ذكرا الحديث المزعوم، منسوباً إلى (كعب الأحبار).
وقول الابشيهي:
" أنه وجد هذه الكلمات بطولها في التوراة'.

علما بأنه لا يمكن القطع يقينا بصحة نسبته إلى كعب الاحبار، أيضاً، لعدم وروده بالإسناد إليه، كما أن الكتابين المذكورين ليسا من الكتب المعتمدة عند أهل العلم في نقل الأخبار.

(كعب الأحبار):
هو كعب بن ماتع الحميري أبو إسحاق، أدرك الجاهلية وأسلم في أيام أبي بكر، وقيل أيام عمر، عليهما الرضوان. روى عن عمر الفاروق وصهيب وأمنا عائشة، وروى عنه بعض الصحابة كمعاوية وأبي هريرة وابن عباس ومالك بن أبي عامر الأصبحي.
ذكره (ابن سعد، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام)، وقال:
" كان على دين يهود، فأسلم وقدم المدينة، ثم خرج إلى الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة ثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان " .
" تهذيب التهذيب " (8/438-439) .
(وثقه: أبو أويس الأيوبي)

وقال الذهبي في:
" سير أعلام النبلاء " (4/472):
" هُوَ كَعْبُ بنُ مَاتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، العلَّامة، الحَبْر، الَّذِي كَانَ يَهُودِيّاً فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدِمَ المَدِيْنَةَ مِنَ اليَمَنِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَجَالَسَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَكَانَ يُحَدِّثُهُم عَنِ الكُتُبِ الإِسْرَائِيْليَّةِ،
وَيَحْفَظُ عَجَائِبَ، وَيَأْخُذُ السُّنَنَ عَنِ الصحابة، وكان حسن الإسلام، مَتِيْنَ الدّيَانَةِ، مِنْ نُبَلاَءِ العُلَمَاءِ ".

وقال احمد بن علي؛ ابن حجر العسقلاني، في:
" الإصابة في تمييز الصحابة": (5/482) كعب الأحبار) ✓'ثقة'.
(وثقه: أبو أويس الأيوبي)

قال عبد الرحمن المعلمي:
(عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي بكر المعلمي العتمي اليماني، ولد سنة: 1313 ه، بالمحاقرة باليمن، لقب بذهبي عصره وشيخ الإسلام، وتوفي سنة: 1386هـ، بمكة بعد الفجر).
قال المعلمي:
'ليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقله'.
(وثقه: أبو أويس الأيوبي)

و يغني عن الأثر المزعوم والمفترى المكذوب، الذي قاله الشعراوي رحمه الله وغيره، يغني عنه:
الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه عن النبي ﷺ، قوله :
( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
' يَا ابْنَ آدَمَ ! تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ، مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ )'.
رواه الترمذي: (2466)
وحسنه ابن مفلح في "الآداب الشرعية":(3/262)
وصححه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (16/284)
والألباني في "السلسلة الصحيحة": (1359).
(علق عليه، ووثقه: أبو أويس الأيوبي، علم وصدقة)